تمهيد:
مَن أراد الاطِّلاع على المذهب الأشعريِّ سيجد اختلافًا وتباينًا في منهج المذهب وأقوال أعلامه، بل في منهج العلَم الواحد وأقواله، مع كثرة أعلامهم ومصنفاتهم، مما قد يدفعه إلى الخلط والاضطراب في الأخذ والاتباع للمذهب أو النقل عنه والحكم عليه، فلا يكاد يجزم بالمعتَمَد عليه في منهج المذهب أو أقوال العلَم، والدارس للمذهب الأشعريِّ بحاجة إلى معرفة مدارِسه، وبيان مناهجها، وأسباب ما آلت إليه، والعلم بقربها وبعدها من المعتقد الحقِّ ومصادر تلقِّيه وطرق الاستدلال عليه.
وهذه المدارسُ تتفاوت في قربها من الحقِّ والبعد عنه، ونتيجةً للجهل بذَلك أفرطَ البعضُ في ذمِّ من لا يستحقُّ ذلك الذمَّ كلَّه، ومدَح من لا يستحقُّ المدح، وليس فيه ما يُمدَح عليه، بل عنده ما يخالفه ويناقِضه، فجاء هذا الكتابُ الذي نحن بصدد التعريف به يشرح المدارِس الأشعريَّة، ويبيِّن مناهجَها، وأبرزَ أعلامها، والاختلافاتِ بينها، ومعرفةُ ذلك مهمٌّ جدًّا في تصوُّر المذهب، أو الحكم عليه.
بطاقةُ الكتاب:
عنوان الكتاب: المدارس الأشعرية (دراسة مقارنة).
المؤلف: د. محمد بن محمد بن بالخير الشهري.
قدم له: د. عبد الرحمن بن صالح الحمود.
أصل الكتاب: رسالة دكتوراه.
الناشر: دار الهدي النبوي، ودار الفضيلة، الطبعة الأولى، 1436هـ.
العرض الإجمالي للكتاب:
لا شكَّ أنَّ المذهب الأشعريَّ يعدُّ واحدًا من أكبر المذاهبِ الإسلامية، وقد نشأَت وانتشرت في كثير من البلدان الإسلامية؛ ولهذا المذهب حضور واضح في تاريخ الفكر الإسلامي، وفي الواقع المعاصر، وقد تطوَّر تطوُّرات كبيرةً حتى إنَّه بعد استِقراره لم يعُد هو على المذَهب الذي نشأ عليه في كثير من القضايا المنهجيَّة، والقضايا العلمية التفصيلية، ويأتي هذا الكتابُ يبرز تطوُّرات المذهب الأشعري، وأعلام كلِّ مدرسةٍ، ومصنَّفاتهم التي يمكن الاعتمادُ عليها في معرفَةِ اعتقادِ المدرسة ومنهجها، فهو كتابٌ مهمٌّ لكلِّ دارسٍ للمذهب الأشعريّ؛ لأنه منَ الأمانة العلمية نسبةُ القول الصحيح إلى كلّ مذهب، ومَن لا يعرف المدارس داخلَ المذهب قد ينسب قولَ مدرسة واحدةٍ إلى المذهب كلِّه، وقد يكونُ هذا قولَ مدرسة بادَت وانتهت، فمِنَ العدل والإنصاف أن يتحرَّى الإنسانُ عند نسبةِ الأقوال والحكم عليها، وهذا الكتاب مساعِد في ذلك.
العرض التفصيلي للكتاب:
قسم المؤلف كتابه إلى: مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
المقدمة:
بيَّن المؤلفُ في مقدمتهِ ضرورةَ التحاكم إلى الكتاب والسنة، وجعَل ذلك مِقياسًا يُعرف من خلاله كونُ الشخص أو الفِرقة على الحقِّ أو لا، فعلى ميزانِ التحاكُم إلى الكتاب والسنة تقاسُ الفرق والمذاهب من حيث قربها من الحقِّ ومجانبتُها له، وأحوجُ المذاهب إلى ذلك تلك المذاهب الكبيرة التي ضرَبَت بجذورها عبر التاريخ منذ نشأتها، ولا زالت قائمةً ومنتشرةً زاعمةً إصابَة الحقِّ، متسمِّية بأهل السنة والجماعة، ومدَّعية الوسطيةَ مع ما مرَّت به من مراحل وتطوُّرات كما هو حال المذهب الأشعريّ ومدارسه، فأراد المؤلِّف أن يبحثَ في المذهب الأشعريِّ بمدارسه ومناهجِه، وبيان ما فيها من اختلافٍ وتباين.
وقد بين المؤلف أن من أهم أهداف البحث:
1- إبراز منهج كلِّ مدرسة وأبرز أعلامها وآثارها.
2- دراسة مظاهر الخلَل والاختلاف في مصادر التلقِّي وطرق الاستدلال على المعتقد في المذهب الأشعري بمدارسة مناهِجها.
3- تقييم مناهج تلك المدارس في الردّ على المخالف ونقده.
4- بيان المنهج الأشعري في شتى مراحله وتمييزه عن منهج أهل السنة والجماعة.
5- توضيح الحكم على كلِّ مدرسة بما فيها من قربٍ أو بعد من أهل السنة.
التمهيد:
في التمهيد ذكر المؤلِّفُ أسباب تكوُّن المدارس الأشعرية، وقد بيَّن المؤلف أن الدَّارسين للمذهب الأشعريِّ مختلفون في ما طَرأ على المذهب من تغيُّرات:
فقومٌ ينكرون البونَ والتفاوت بين منهجِ المؤسِّس أبي الحسن الأشعريّ ومنهج تلاميذه ومَن بعدهم، ويعزون الاختلافات إلى مجرَّدِ كونه اجتهادًا داخِل المذهب، وليس فيه تأثرٌ أو تأثير، وأصحاب هذا الرأي هم أتباع المذهب والمعجَبون به.
وآخرون أدركوا أنَّ ثمَّةَ تغيراتٍ كبيرةً في المذهب الأشعريّ، فرصدوها وحلَّلوها، وسموها أطوارا أو مراحل أو مدارس.
وقد اختلفَ أصحاب هذا الرأي ممن جعل الأشاعرة أطوارا أو مراحل، فمنهم من جعَل المذهبَ قد مرَّ بثلاثة أطوار، بدءًا بالأشعرية الكلَّابية، ثم معتزلة الأشاعِرة، ثم متفلسفة الأشاعرة، وممَّن ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله.
ومنهم من ذكر أربعةَ أطوار، يبتدئ كلُّ طور بعَلَم من أعلامهم، فالطور الأول وهو طور النشأة يبدأ بأبي الحسن الأشعري، والطور الثاني يبدَأ بالقاضي أبي بكر الباقلاني، وفيه بدأت النزعة العقليَّة تغلُب على المذهب، والطور الثالثُ يبدأ من الرازي، وقد نحى معَه المذهبُ نحو الفلسفة، والطور الرابع هو طور الجمود، ويبدأ بنهاية عصر الإيجي.
ومنهم من جعلها خمس مراحل، والمؤلف جعل الأشاعرة ثلاث مدارس، وهي:
1- المدرسة الأشعرية الكلابية.
2- معتزلة الأشاعرة.
3- متفلسفة الأشاعرة.
وسيأتي تفصيل هذه المدارس، ولكنَّ المؤلفَ هنا أسهب في ذكر أسباب ظهور هذه المدارس، فذكر منها:
1- نشأة مؤسِّس المذهب في أحضان المعتزلة.
2- اختيار المؤسس واتباعه لطريقة ابن كلاب.
3- تسليم المؤسس لأصول كلامية اعتزالية، ثم الأخذ ببعض لوازمها دون بعض.
4- مبالغة أبي الحسن الأشعري في مخالفة المعتزلة.
5- ضعف علم المؤسّس والأتباع بالقرآن وتفسيره والسنة وعلومها.
6- جهل أعلام المذهب الأشعري بمذهب السلف وحقيقته ودلائله.
7- محاولة المؤسس الجمع بين مذهب السلف ومذهب المتكلمين.
8- الخلل في مصادر التلقي.
9- الخلل في منهج الاستدلال.
10- تفاوت مواقف أعلام المذهب الأشعري من العقل والنقل.
11- تأصّل الأخذ بالتأويل في المذهب منذ التأسيس، ثم توسع الأعلام فيه.
12- الرد على المخالفين دون التأصيل بمذهب السلف.
بدأ المؤلف بذكر مدارس الأشعرية، وجعل كلَّ مدرسة في باب، ودرسها بتوسّع، وقد تناول المؤلف كلَّ مدرسة بتعريفها، وبيان أسباب نشأتها، وذكر بعض أعلامها، ومصنفاتهم، ويذكر التطورات داخل المدرسة نفسها.
الباب الأول: المدرسة الأشعرية الكلابية ومنهجها:
بدأ المؤلف هذا الباب بالفصل الأول الذي جعله للتعريف بالمدرسة الأشعرية الكلابية، وقد بين أن أخذ أبي الحسن الأشعري عن أصحاب عبد الله بن سعيد بن كلاب ثابت من كلام الأشاعرة أنفسهم، ومن غيرهم.
من أسماء هذه المدرسة: قدماء الأشعرية، وأوائل الأشعرية، والأشعرية الكلابية.
أبرز سمات هذه المدرسة:
1- أنها تبدأ من أبي الحسن الأشعري.
2- تأثرها بطريقة ابن كلاب الكلامية في المذهب والمنهج.
3- عدم بروز ذمِّها للسف الصالح عامَّة والحنابلة خاصة.